أشارت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا إلى أن فيروس كورونا التاجي (COVID-19) ينتشر دون الكشف عنه في اليمن. ومن المؤكد أن المناطق الغير مراقبة، والفيروس الغير المرئي ونهج عدم التدخل، سيزيد من احتمال تفشي المرض الخطير بين السكان الذين يعانون أصلاً من سوء التغذية الحاد. ليس هناك شك في أن النظام الصحي المدمر والقدرة المحدودة على اجراء الفحوصات لن تصمد كثيراً في وجه الجائحة.
هناك 38 مستشفى خُصصت لمواجهة الوباء في جميع أنحاء البلاد و قد امتلأت أسرّتها تماماً بالمصابين، ولكن اليمن أبلغ عن 253 إصابة فقط بفيروس كورونا مع 50 حالة وفاة حتى 28 مايو. من المحتمل أن يكون هذا أقل بكثير من التقدير الحقيقي لانتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد مع كون الواقع أعلى بكثير في كل من عدد المصابين وحالات الوفاة. بسبب عوامل كالتكلفة، والخوف، والحرمان من الوصول إلى المستشفيات بسبب نقص المساحة ونقص العاملين في مجال الرعاية الصحية، يموت اليمنيون في المنزل – بدون أن يتم رصد اصابتهم أو تسجيلها وربما ينقلون الفيروس إلى أحبائهم.
جائحة كورونا هي أزمة إضافية فوق الأزمات الحالية كالحرب والمجاعة والأمراض المعدية المتفشية الأخرى مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك. البلد الذي واجه الكثير بالفعل، يواجه الان وضعًا صعباً مرة أخرى.
قبل هذا الوباء ومع خروج أكثر من نصف المستشفيات عن الخدمة، كانت اليمن تعاني من نظام رعاية صحية متدهور وهش وانهار بعد حرب مدمرة استمرت لمدة خمس سنوات. كانت السلطات تكافح بالفعل لمعالجة الأزمات الحاصلة في البلد، ولكن الآن مع إضافة COVID-19، من المستحيل بالنسبة لها الاستجابة بشكل صحيح للتفشي. في جميع أنحاء البلاد، لا يوجد ميزانيات لدفع أجور العاملين في المستشفيات وتكاليف تشغيلها، كما تتوفر معدات حماية شخصية قليلة جدًا، وعدد قليل من الفحوصات، مما يجعل من المستحيل على أي شخص معرفة الأعداد الحقيقية للحالات المصابة بالفيروس.
فرص سُبل العيش المتضائلة والأمن الغذائي المتدهور، سيعمل الفيروس على الإضرار بها أكثر. مع صعوبة التباعد الجسدي في اليمن، قد تضطر السلطات للاختيار بين إنقاذ الأشخاص من تفشي الوباء أو إنقاذ سبل عيشهم. إذا وقع الاختيار على فرض التباعد الجسدي، لإنقاذ حياة الناس، فلن يتمكن الكثير من العمل لكسب المال اللازم لشراء الطعام ومن المحتمل أن يموتوا من الجوع لاحقاً.
يعاني أكثر من نصف اليمنيين بالفعل من انعدام الأمن الغذائي مع انخفاض الدخل وزيادة الواردات الغذائية إلى 90 في المائة. لسوء الحظ وبالمقارنة مع بيانات ما قبل الحرب، لا تزال أسعار السلع الغذائية والسلع الأساسية غير الغذائية مرتفعة بسبب انخفاض قيمة العملة والقيود المفروضة على الحركة بسبب الوباء. علاوة على ذلك، تلعب التحويلات المالية دوراً رئيسياً في الاقتصاد حيث يتم تحويل المليارات إلى البلاد سنوياً. ولكن بسبب الوباء، انخفض هذا بشكل كبير ومن المتوقع انخفاض الوصول إلى سُبل الدخل بسبب الاضطرابات التجارية وانخفاض القدرة الشرائية لدى أصحاب المشاريع والشركات. خلاصة القول هي أن الغذاء قد يكون غير متوفراً للمواطن العادي؛ من المحتمل أن يجوع الملايين.
بدون استجابة اجتماعية واقتصادية عاجلة وفعّالة، سيستمر اليمن في المعاناة، وستتعرض حياة اليمنيين وسُبل عيشهم للتهديد على مدى الأجيال القادمة. لقد رأينا كيف كان تأثير انقطاع الخدمات الاجتماعية والانهيار الاقتصادي خلال تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا مُريعاً، حيث مات بسبب تداعيات الفيروس أكثر من مات بسبب العدوى بالفيروس نفسه. لا يمكننا أن ندع هذا يحدث مرة أخرى في اليمن. يجب أن نربط بين الاحتياجات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
على الرغم من أن الفيروس بدء يؤثر بشدة في اليمن فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يواصل تقديم قدراته في البرامج التي تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة مثل النقد مقابل العمل وخطط العمل العام وإشراك المؤسسات الصغيرة والأصغر والمتوسطة. لمكافحة انتشار الفيروس، نحن مستمرون في صنع فرق في اليمن ونحن في وضع فريد لقيادة الاستجابة للتأثير الاجتماعي والاقتصادي على المستوى الوطني بسبب انتشار الوباء الفيروس وبالتنسيق مع منظومة الأمم المتحدة.
على الصعيد العالمي، قمنا بتطوير خمس ركائز تفاعلية بناءً على تجاربنا السابقة في تفشي الأمراض المعدية؛ سيتم اتباع نفس النهج في اليمن. عند دمجها، من المرجح أن تثبت فعاليتها في المساعدة على الحفاظ على مجتمع الدولة وإعادة بنائه.
- الصحة أولاً: ضمان توافر الخدمات الصحية الأساسية وحماية الأنظمة الصحية.
- حماية الناس: مساعدة الناس على التعامل مع الشدائد من خلال الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية.
- الاستجابة الاقتصادية: حماية الوظائف ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والعاملين في القطاع غير الرسمي من خلال برامج الاستجابة الاقتصادية والإنعاش.
- الاستجابة الاقتصادية الكلية: توجيه الحوافز المالية والمالية لجعل سياسات الاقتصاد الكلي تعمل لصالح الفئات الأكثر ضعفاً وتعزيز الاستجابات المتعددة الأطراف والإقليمية.
- التماسك الاجتماعي: تعزيز التماسك الاجتماعي والاستثمار في أنظمة المرونة والاستجابة التي يقودها المجتمع.
ستؤثر جائحة كورونا بشكل أساسي على المجتمع والاقتصاد في اليمن - يجب أن ندرك أنه أكثر من مجرد أزمة صحية. سيزداد الفقر وعدم المساواة على نطاق عالمي، كما أن لدى الفيروس قدرة كبيرة لجعل أسوأ أزمة إنسانية وإنمائية في العالم أكثر سوءاً. القرارات التي ستتخذ اليوم ستؤثر على اليمن غدا.
لا تزال اليمن بحاجة إلى مستويات عالية من المساعدة بسبب تركيبة الصراع وظروف اقتصاد البلد السيئة، لكن تمويل المساعدة الإنسانية لعام 2020 قد انخفض وتم إعادة توجيه جزء مهم من تمويلات البرامج الحالية لمواجهة تفشي الوباء. وهذا يتسبب في أن تقوم غالبية برامج الأمم المتحدة في اليمن إما بإغلاق أبوابها أو إعادة صياغة برامجها الحالية والذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى استفادة عدد أقل من اليمنيين خلال الأوقات الأكثر احتياجًا. يجب أن نكون أشد حرصاً على ألّا نتخلى عن اليمن الآن وهو يمر بأصعب مراحل تأريخه.