لقد تغير العالم منذ مؤتمر الأمم المتحدة الأول للمياه قبل 45 عاماً، حيث ازداد الضغط على الموارد الطبيعية مثل المياه العذبة بشكل كبير بسبب تضاعف عدد السكان، لكن توافرها بقي على حاله. وبسبب التغيرات المتزايدة في أنماط الطقس، نشهد تغيرات كبيرة في الطقس نفسه مثل انخفاض مستوى هطول الأمطار وتزايد الجفاف الشديد الذي يستمر في التأثير سلباً على العراق والمنطقة. أصبح بغاية الأهمية الآن أن نتمكن من إدارة موارد المياه المحدودة المتاحة لضمان مياه نظيفة صالحة للشرب وكافية للصرف الصحي والتنمية المستدامة، لحفظ وتحسين الحياة.

أزمة المياه في العراق

يعتبر التغير المناخي وندرة المياه مصدر قلق بالغ في العراق. ففي عامي 2021 و2022، بلغ العراق مستوىً قياسياً في الجفاف وارتفاع درجات الحرارة الشديد والذي بلغ 54 درجة مئوية / 130 درجة فهرنهايت مسجلة في الجنوب.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد العراق بشكل كبير على نهرين رئيسيين هما دجلة والفرات، لتأمين حوالي 98 في المائة من حاجاته المائية. وبالرغم من موقع العراق في قاع حوض النهرين، فإنه يتلقى مياهاً أقل من قبل – من حوالي 30 مليار متر مكعب في عام 1933 إلى حوالي 9.5 مليار اليوم. ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030 – وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً. مما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية.

كما أدى عدم وجود تدفق كافٍ للمياه إلى زيادة الملوحة في شط العرب - المصدر الرئيسي لإمدادات المياه في جنوب العراق - مما أدى إلى مستويات ملوحة أعلى بعشر مرات من معايير منظمة الصحة العالمية المقبولة. وأثرت الملوحة المتزايدة أيضاً على أهوار بلاد ما بين النهرين الشهيرة في العراق، والتي كانت في يوم من الأيام أكبر الأراضي الرطبة في الشرق الأوسط، وقطباً ثقافياً وبيئياً يحظى بأهمية عالمية.

الحاجة لاتفاقيات المياه

عمل العراق مع الدول المجاورة للحد من التوترات المائية منذ عام 1964 مما أدى إلى توقيع اتفاقية في عام 2021 بين تركيا والعراق والتي أعلنت التزام أنقرة بالتدفق العادل للمياه.على الرغم من ذلك، لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق على مستوى شامل لنهري الفرات ودجلة. يمثل هذا الاتفاق خطوة مقبلة وحاسمة كنهج  لحل امر التقاسم العادل للمياه. إلى جانب المياه المشتركة، يستخدم العراق بشكل مشترك ما لا يقل عن خمس طبقات مياه جوفية مع البلدان المجاورة دون اتفاقيات استخدام المياه.

تدرك الأمم المتحدة أن المياه والصرف الصحي ضروريان لحقوق الإنسان وهما عنصران أساسيان للصحة والكرامة والازدهار، ويدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق الحكومة للانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1992 بشأن حماية واستخدام المياه العابرة للحدود والتي تعمل على تعزيز التعاون الإقليمي من أجل الإدارة المستدامة للمياه.

نعمل أيضاً عن قرب مع أصحاب المصلحة المحليين لإنشاء رؤية واستراتيجية جديدة للتفاوض لأجل واقع أفضل لموارد المياه في العراق وتوفير مساحة للاستفادة المائية على مستوى نهري دجلة والفرات. سيستفيد الجميع عند تأمين إدارة المياه العابرة للحدود لجميع بلدان حوض النهرين، وتقاسم فوائد توزيع المياه بشكل عادل وتعظيمها وفقا لأولويات كل بلد وقيوده.

يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بشكل وثيق مع الحكومة العراقية للحد من مشكلة شحة المياه المتزايدة وأزمة تدهور جودة المياه. نعمل على استخدام موارد المياه المتاحة بأكبر قدر ممكن وتحسين الإدارة المتكاملة لموارد المياه بدعم من شركائنا الدوليين. ومن الأمثلة على ذلك: مشروع تحفيز العمل المناخي في العراق - الذي تدعمه كندا والمملكة المتحدة - والذي يعمل على: (أ) مراقبة حوض النهر من خلال منصة عبر شبكة الانترنت ونظم المعلومات الجغرافية؛ (ب) تطوير مشاريع مشتركة للتكيف مع التغير المناخي وأزمة المياه مع حكومات دول الحوض؛ (ج) تحسين الإدارة المتكاملة للمياه في العراق من خلال توجيهات وأدوات تُعنى بإمدادات المياه وجودتها وطرق الوصول إليها والإدارة المستدامة لأحواض الأنهار داخل أراضيه.

يعمل برنامج الاستجابة للأزمات والصمود في العراق التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على إعادة تأهيل سبع محطات رئيسية لمعالجة المياه في البصرة والتي ستزود أكثر من 100،000 شخص بفرص أفضل للحصول على مياه الشرب. كما سيحصل حوالي 960.000 شخصاً على مياه الشرب الآمنة من خلال مرافق المياه المُعاد تأهيلها من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بدعمٍ من حكومة هولندا.

 ويدعم مشروع العمل المناخي من أجل الأمن البشري في أهوار العراق، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المجتمعات التي تواجه أزمات لتعزيز وصول هذه المجتمعات إلى المياه النظيفة من خلال أنظمة تنقية المياه بالطاقة الشمسية الكهروضوئية وأنظمة معالجة مياه الصرف الصحي.

لا يمتلك العراق الكثير من الوقت ليضيعه. إن مؤتمر الأمم المتحدة القادم حول المياه في 22-24 آذار 2023 في نيويورك هو منصة لالتزامات الدول الطوعية حول الأهداف والغايات العالمية المتعلقة بالمياه حيث يوفر فرصة فريدة للحكومة العراقية لتقديم استراتيجيتها التطلعية لكسب الدعم الإقليمي والدولي. إن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ملتزم دائماً بدعم العراق في تنفيذ استراتيجيته متكاملة لإدارة الموارد المائية.