كيف تساهم منح المشاريع الصغيرة المقدمة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريب المجتمعات في العراق
رحلة مهند وأبو بكر نحو ريادة الأعمال
30 مايو 2024
كيف تساهم منح المشاريع الصغيرة المقدمة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريب المجتمعات في العراق
في قضاء بعقوبة مركز محافظة ديالى، الواقعة على الجانب الشرقي من بغداد، يحب مهند الترحيب بالمارة في الشارع من متجره الجديد للأقمشة. بينما يقف أبو بكر في الفلوجة، الواقعة على الجانب الغربي ناظراً إلى أبراج الإنترنت الشاهقة التي أقامها لمشروع تجهيز خدمة الإنترنت الخاص به.
على الرغم من المسافة التي تفصلهما، فإن قصتيهما بمثابة ومضة أمل تنتشر عبر المناطق المحررة من داعش في العراق. ومضة أشعلها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشريكه، مؤسسة "هيومن أبيل"، من خلال جهودهما لتعزيز إعادة الإدماج من خلال برامج دعم سبل العيش.
استجاب القدر لدعوات مهند وأعطاه متجر أقمشة جديد
بعقوبة، محافظة ديالى - بالنسبة لمهند، فأن هذا المحل يمثل استجابة لدعوة كان قد دعاها من أجل الحصول على مصدر دخل ثابت لإعالة نفسه وأسرته المتكونة من زوجة وطفلين معاقين. في عام ٢٠١٤، نزح من مسقط رأسه في أبو صيداإلى بعقوبة بسبب احتلال داعش، ولم يتخيل أبداً أن الحياة ستعود كما كانت. وبالاعتماد على كرم المجتمع والاعمال ذات الاجور اليومية التي لا تتجاوز ١٥ دولاراً، كافح لإعالة أسرته الصغيرة.
كان يحلم دائماً ببدء مشروعه الخاص - ويفضل أن يكون في مجال الزراعة - لهذا السبب شارك في نشاط النقد مقابل العمل الذي نظمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة نداء الإنسان في مدينته. ومع ذلك، كان التدريب على الأعمال التجارية الذي تم تقديمه بعد ذلك هو الذي غيّر حياته. على مدار أسبوعين، تعلم كيفية تحديد مشروع تجاري مربح، ووضع خطة عمل، وحدد تكلفته، وقام باختيار موقع جيد وكذلك السوق المناسب.
وقال: "بينما كان حلمي دائماً هو الزراعة، أدركت أن منحة الأعمال لن تكون كافية لتغطية التكاليف، لذلك لجأت إلى ثاني أفضل خيار - محل أقمشة".
باستخدام الدروس المستفادة خلال التدريب ومنحة الأعمال التي تبلغ قيمتها ٢٠٠٠ دولار (مايقارب 3 مليون دينار عراقي)، حصل على أقمشة من بغداد وحدد موقعاً جيداً في أحد أكثر الشوارع ازدحاماً في المدينة ودفع الإيجار وبدأ عمله.
ويقول مهند: "على الرغم من ان نشاطي التجاري لم يزدهر بعد، إلا أن العمل جيد". إن مبلغ ٥٠٠ الف دينار عراقي (٣٤٥ دولاراً أمريكياً) الذي كسبه خلال الشهرين الماضيين منذ افتتاح المتجر يمثل فارقاً كبيراً عن ١٨ دولاراً التي كان يكسبها كعامل يومي. "أنا سعيد للغاية، هذه هي المرة الأولى منذ فترة طويلة لدي دخل ثابت لإعالة أسرتي".
حسنت النشاطات التي انخرط فيها من حياته الاجتماعية بداً من نشاطات النقد مقابل العمل وصولاً الى التدريب في مجال ريادة الاعمال حيث كسب مهند 40 صديقاً جديداً والذي يعتبره جزءاً مكملاً من شبكة الاعمال. غالباً ما يتواصل معه أحد زملائه من الذين شاركوا في دورة تدريبية في مجال الخياطة للحصول على قماش وهذا يوضح شكل الروابط التي نتجت من المشاركة في هذه الدورات.
وأضاف مهند: "عندما وصلت في البداية، كان الناس طيبين معي، ولكن الآن أستطيع أن أقول بكل فخر أن القبول المجتمعي أصبح أقوى". موضحاً أن الوقت الذي قضوه أثناء إعادة تأهيل الحديقة العامة كان دليلاً على ذلك حيث اتحدت المجموعات المختلفة لإنجاز مهامها في الوقت المناسب.
فكرة عمل جديدة تمنح أبو بكر انطلاقة جديدة
الفلوجة، محافظة الأنبار - بالنسبة لأبو بكر بهاء الدين، البالغ من العمر 30 عاماً والذي شارك في تدريب على مهارات الأعمال التجارية وحصل على منحة أعمال، ألهمته فكرة مبتكرة من صديق عزيز لبدء مشروع خدمة الإنترنت، لتفتح له آفاقاً جديدة وتمنحه فرصة ثانية للانطلاق.
بعد مناقشة الفكرة مع زميله المتدرب كريم الذي وافق على الشراكة معه، شرع الاثنان في إنشاء برج لشبكة الانترنت وهو البرج الأول الخاص بهم على قمة مبنى في شارع رئيسي بوسط الفلوجة. يغطي البرج المكتمل حديثاً مساحة تصل إلى كيلومترين حيث يمكنه تقديم خدمة الانترنيت الى 20 إلى 25 مشتركاً – وحتى الوقت الراهن قام 12 شخص بالاشتراك بهذه الخدمات ويدفع كل منهم 19,000 دينار عراقي أي ما يقارب (13 دولاراً أمريكياً) شهرياً
يحقق مهند هامش ربح قدره 2000 دينار عراقي من كل مشترك في الخدمة.
قال أبو بكر: "لقد حددنا سعراً أقل بقليل من سعر السوق لكي نتمكن من جذب العملاء، وهذا شيء تعلمناه في تدريب الأعمال". ويأملون في مضاعفة هذا الرقم ثلاثة أضعاف عندما يرتفع برجهم الثاني في غضون شهر. وحاله حال مهند الذي سردنا قصته أعلاه فأن هذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها أبو بكر على مصدر دخل منتظم.
على غرار العديد من أنشطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي تتعلق بمجالات العودة، أتاحت التدريبات فرصة للعائدين والنازحين سابقاً وأفراد المجتمع المضيف للقاء والعمل معاً بشكل منتظم. مما يسمح لهم بإعادة بناء الروابط المجتمعية المتأصلة والتي قطعت بسبب نزاع داعش.
ويقول أبو بكر "في السابق كنت أخشى التعامل مع أشخاص لديهم انتماءات يُعتقد بأنها سلبية، لكن الآن لم يعد لديّ هذا الخوف. ساعدني التدريب على إدراك أنهم بشر مثلي تماماً يبحثون عن فرص لإعالة أسرهم،" وأضاف أن نظرة المجتمع قد تغيرت للأفضل، حتى بالنسبة للنساء اللاتي أصبحن يشعرن الآن بالأمان للخروج للعمل أو التسوق بمفردهن.
حول هذه المبادرة يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من خلال مشروع المصالحة وإعادة الإدماج المجتمعي في العراق وهو جزء من برنامج التماسك المجتمعي - على دعم الجهود الرامية إلى تشجيع العودة وإعادة الإدماج والتماسك المجتمعي في المناطق المحررة بالعراق. تم تنفيذ مشروع المصالحة وإعادة الإدماج المجتمعية في العراق في محافظات كركوك وديالى والأنبار، وعاد بالنفع على 170 مستفيداً، من ضمنهم 82 امرأة في جميع المحافظات. وبهدف الوصول الى 9000 فرد في عام 2024، فإن هذه الجهود التي يدعمها صندوق تمويل بناء السلام التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعد ضرورية لوضع الأساس لمجتمع عراقي مسالم ومتماسك اجتماعياً بينما يشرع البلد في رحلة التنمية المستدامة.