دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق ساعد في التغلب على أزمة المياه و إعادة الأمل
تقع قرية الحوطة في جنوب العراق قرب ميناء البصرة. وهي موطن علي ستَّار، 28 عاماً، الذي يعمل في مالية وإدارة أحد أكبر حقول النفط العراقية غرب البصرة.
هنا يعيش علي وزوجته وأطفالهما الثلاثة مع والديه وإخوته الثلاثة. وتتعانق أشجار النخيل على جانبي الشوارع المؤدية إلى منزلهم على ضفاف شط العرب.
ولسهولة الحصول على المياه العذبة من النهر، اعتمد سكان قرية علي لأجيال على الزراعة كمصدر رئيس للدخل. كما تعتمد منطقة البصرة كلها على نهر شط العرب وقنوات مياهه العذبة بشكل كبير مصدراً للمياه.
ومن المفارقات أنه في حين أن الماء هو مصدر سبل عيش متنوعة هنا لعقود من الزمان، فإن الشرب منه كان مصدر تهديد لحياتهم. فقد ساهمت سوء إدارة توزيع المياه وزيادة مستويات التلوث وصب مياه المجاري في النهر والبنية التحتية القديمة لشبكة المياه، في التدهور المستمر لمصادر المياه.
وكانت أزمة مياه عام 2018 هي الذروة لعقود من استنزاف المياه والتلوث وندرة الأمطار نتيجة للتغير البيئي. وأصبحت مصادر المياه في البصرة شديدة التلوث، ونقل 118,000 شخص من سكانها إلى المستشفيات بفعل إصابتهم بالتسمم من المياه.
وتفاقم الوضع نتيجة الاستخدام غير السليم للمياه في السقاية والأغراض الصناعية. وهو ما خفض مستويات المياه مما سمح لمياه البحر بالتسرب إلى مصادر المياه العذبة، مما جعلها غير صالحة للشرب أو لري المزروعات.
يسير علي في الطريق المعبد المؤدي إلى حيه وهو يشعر بالإعجاب بأشجار النخيل مشيراً للمزارع الشاسعة، ومنها بساتين النخيل التي يملكها صديقه وجاره ناظم يوسف، 65 عاماً.
يقول ناظم: "لقد عانينا من المياه الملوثة. لم يكن بإمكاننا زراعة محاصيلنا، وتأثرت بسبب ذلك جودة التربة".
يضيف مصطفى الذي يدير حاليا ورشة للنجارة خارج مسكنه إلى حديث ناظم : "محطة المياه في منطقتنا كانت خارج الخدمة. اعتدنا الحصول على الماء فقط خلال ساعات محددة في المساء "
ولمواجهة أزمة مياه مع أزمة غذاء وشيكة، أسرع علي، وناظم، ومصطفى إلى العمل متعاونين مع جيرانهم، جمعوا الأموال لشراء مياه نظيفة من الصهاريج أسبوعياً لتوزيعها على الأسر بالتساوي.
كانت نقلة صهريج واحد لنحو 10 منازل تكلف 400 دولار أمريكي في الأسبوع، أي ما يعادل راتب مزارع واحد في الشهر. ومع أن ذلك كان مبلغاً باهظاً، فقد كانت تلك هي الطريقة الوحيدة المتاحة لعلي وناظم للحفاظ على سلامة وصحة أسرهم ومجتمعهم.
يقول علي: "نحن مجتمع مترابط ومتماسك في السراء والضراء".
ومع استعداد علي وناظم لعمل أي شيء من أجل مجتمعهما، فقد كانا على علم بحاجتهما إلى إيجاد حل مستدام، واستجابة لأزمة مياه البصرة، تعاونت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أوائل عام 2019 لإعادة تأهيل تسع محطات لمعالجة مياه البصرة في مناطق شط العرب وعز الدين سليم والمدينة ودير السليم وأبي الخصيب
وقد تمت اليوم إعادة بناء محطات معالجة المياه بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بما يتماشى مع المعايير المحلية والدولية. ويقوم نظام عملها بتنقية المياه وإضافة الكلور للمياه المسحوبة من نهر شط العرب قبل ضخها إلى التجمعات السكانية عبر نظام أنابيب مركزية.
توفر محطات المعالجة التي تم تجديدها مياه آمنة ونظيفة لأكثر من 625,000 شخص من سكان البصرة.
بالنسبة لعلي، تبلغ تكلفة الإمدادات الشهرية من المياه الصالحة للشرب الآن نحو 30 دولار شهرياً، أي بما يقل بنحو 25 في المئة عن الكلفة التي كانت تدفعها أسرته للحصول على مياه الصهاريج النظيفة.
يقول علي: "اختلفت الحياة علينا الآن. إذ يمكننا الحصول على الماء بالمقدار الذي نريده متى شئنا دون مخاوف من إصابة أفراد أسرتنا بأمراض. لكن علينا أن نكون حذرين بكيفية استهلاكنا له".
أنعش الحصول على المياه النظيفة مزرعة ناظم أيضاً، يقول ناظم: "أنا أعيد الحياة إلى عملي ببطء. لا أصدق أن حياتي قد عادت إلى مسارها بهذه المدة القصيرة".
بالنسبة لسكان البصرة مثل علي وناظم، أعاد مشروع إعادة تأهيل محطة معالجة المياه تنشيط مجتمع كان على وشك الانهيار، بشكل متسارع في هاوية اليأس. أصبح الماء رمزاً لصمود وأمل وتضامن المجتمع.
يقول مصطفى قبل أن يأخذ رشفة من الماء :"رسالتي الخاصة إلى سكان البصرة هي الانتباه إلى استهلاك المياه. يحتاج كل إنسان على وجه الأرض إلى الماء ليحيا. بدونها ، لن ننجو. يعد الحفاظ على المياه أمرًا أساسيًا للحفاظ على المياه نقية ونظيفة مع حماية البيئة. نحن بحاجة إلى الحفاظ على هذه الموارد للأجيال القادمة".
نبذة عن المشروع:
جرت إعادة التأهيل من خلال "برنامج الاستجابة للأزمات وبناء القدرة على مواجهتها في العراق" التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بدعم سخي من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
إن توفير الخدمات الأساسية، مثل المياه الصالحة للشرب، أمر ضروري للتخفيف عن كاهل مواطني البصرة وتلبية احتياجاتهم مما يساعد في إعادة بناء العلاقات بين السكان والحكومة العراقية. وتعمل محطات معالجة المياه التي أعيد تأهيلها على حصول أكثر من 625,000 عراقي من الرجال والنساء والأطفال على المياه الصالحة للشرب.
نشرت هذه القصة على منصة "تعريف بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" هنا .