بناء السلام في اليمن من خلال الحكم المحلي
2 أكتوبر 2024
في عام 1981، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع يوم 21 سبتمبر يومًا للسلام العالمي، مؤكدة على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتعزيز السلام. وفي ضوء موضوع هذا العام "تعزيز ثقافة السلام"، من المهم تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه مؤسسات الدولة في خلق ثقافة السلام واستدامتها في اليمن، وخاصة على المستوى المحلي.
لا تزال ندوب الأزمة التي دامت قرابة عقد من الزمان تلازم كل جوانب الحياة في اليمن. فقد نزح أكثر من أربعة ملايين شخص داخليا. وتضررت البنية التحتية العامة الأساسية أو دمرت بالكامل، مما ترك الملايين دون إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم. حيث تعين على الشركات ورجال الأعمال، الذين يوفرون فرص العمل وسبل العيش، التعامل مع البنية التحتية المتضررة، والاضطرابات على طول سلاسل القيمة الحيوية، وعدم الاستقرار في القطاع المصرفي، بالإضافة الى عدد من المشاكل الأخرى. وقد تشظت مؤسسات الدولة المركزية المسؤولة عن توفير هذه الخدمات الأساسية والبنية التحتية الاقتصادية العامة والاستقرار التنظيمي، في حين تقلصت الموارد المالية بشكل كبير أو اختفت تماما.
في البداية، تم تخفيف تأثير هذه الصدمات من خلال وكالات الأمم المتحدة بدعم من المجتمع الدولي. ولكن بعد عقد من الزمان، لم يعد هذا مستدامًا، ليس فقط لأن التمويل للمساعدات الإنسانية لليمن يتناقص بسرعة، ولكن لأنه يمكن أن يؤثر سلبًا على قدرة مؤسسات الدولة على الاستجابة لاحتياجات مجتمعاتها. وهذا منحدر خطر، لأنه عندما يفقد المواطنون الثقة بالمؤسسات لتوفير الخدمات الأساسية، تفقد المؤسسات شرعيتها، وينهار العقد الاجتماعي الذي يقوم عليه السلام .
وهذا من شأنه أن يزيد بشكل كبير من أهمية الاستثمار في القدرات المؤسسية. فالأمر لا يتعلق فقط ببناء طرق جيدة، وضمان اتصال الجميع بشبكة المياه العامة، وطباعة الكتب المدرسية؛ بل يتعلق أيضاً بإنشاء البنية التحتية اللازمة لاستدامة أي سلام في المستقبل.
مع اخذ هذه القضايا في الاعتبار، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، بدعم من الاتحاد الأوروبي، مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن في عام 2020. هذا المشروع الكبير، الذي يتم تنفيذه في تسع محافظات (45 مديرية) في جميع أنحاء البلاد، لا يعزز قدرة السلطات المحلية على الاستجابة للاحتياجات المباشرة للمجتمعات المحلية والقطاع الخاص فحسب، بل يعزز أيضًا قدرتها على العمل كمنصة محايدة وشاملة لمناقشة الأولويات المتنافسة أو المتضاربة فيها.
ومن خلال هذا المشروع، تلقى أكثر من 550 موظفاً من السلطات المستهدفة في المديريات والمحافظات تدريباً على إدارة الإنفاق العام. وأسفر هذا التدريب عن وضع خطط التنمية المحلية بالتعاون مع المجتمعات المحلية، بما في ذلك مجموعات النساء والشباب والنازحين داخلياً وأقسام المجتمع الفرعية المهمة الأخرى، لضمان تلبية احتياجات جميع أفراد المجتمع. وتعاونت هذه المجموعات نفسها لتحديد أولويات البنية الأساسية العامة، بدءاً من المدارس وغرف العمليات والعيادات الصحية المتخصصة والطرق وأنظمة الصرف الصحي وشبكات المياه ومرافق النفايات وتوفير الطاقة، وقد تم تحقيق أكثر من 125 منها بمنح قدمها المشروع.
"إن الدعم الذي تلقيناه من خلال مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن مكننا من تطوير استراتيجيات فعالة وتحديد الأولويات وتخصيص الموارد بكفاءة أكبر لتقديم خدمات تتوافق بشكل أفضل مع احتياجات المواطنين. وقد أدى ذلك إلى تعزيز ثقة المجتمع في السلطات المحلية، مما ساهم في تقليل الصراعات على المستوى المحلي وزيادة المشاركة"، كما يقول عواس أحمد الزهري - مدير عام مديرية خور مكسر ورئيس المجلس المحلي.
يركز مشروع تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية في اليمن على تعزيز القدرات الفردية والتنظيمية للسلطات المحلية والقطاع الخاص المحلي نحو التنمية الاقتصادية المحلية. حيث تم تحديد قطاعات النمو الواعدة، والآن تعمل السلطات المحلية والقطاع الخاص معًا لإحيائها وتطويرها، بما في ذلك التدريب المستهدف على ريادة الأعمال لبناء وتجديد البنية الأساسية للأسواق.
كما أثرت الأزمة بشدة على البنية التحتية البحرية الحيوية في اليمن، مثل ميناء عدن. فقد أدى الضرر الذي لحق بالمستودعين الأول والثاني إلى توقفهما عن العمل وإعاقة تدفق السلع الإنسانية والتجارية.
ومن خلال مشروع تحسين الكفاءة في ميناء عدن ـ وهو جهد تعاوني بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حكومة اليابانن والحكومة اليمنية ـ تم إعادة تأهيل المستودعين. ويعمل الميناء الآن بكفاءة أكبر، مع زيادة قدرته على التعامل مع البضائع، وخفض رسوم الموانئ، الأمر الذي يخفف العبء الاقتصادي على المستهلكين اليمنيين. ويدخل المشروع الآن المرحلة الثانية، والتي تتضمن شراء ورش الصيانة لضمان الكفاءة والسلامة في الميناء.
وبالتوازي مع ذلك، أدى الصراع المستمر إلى تحركات سكانية هائلة، مما فرض ضغوطاً إضافية على البنية الأساسية الحضرية. ويظل النازحون داخلياً من بين الأكثر تضرراً بشكل متفاوت من حيث الوصول إلى الخدمات الأساسية. ويتطلب معالجة هذه المشكلة حلولاً دائمة. حيث يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى الحكومة اليمنية لبناء القدرات المحلية لمعالجة النزوح الداخلي من خلال مشروع حلول التنمية القائمة على مناطق النزوح.
وأكد العميد أحمد التركي محافظ لحج خلال ورشة عمل استضافها المشروع، على أهمية تطوير خطط الحلول الدائمة للنازحين بالتعاون مع السلطات المحلية لضمان كونها عملية وفعالة.
كما أثرت البنية التحتية المحدودة لمؤسسات الدولة وقدرتها سلباً على النظم القضائية وتسببت في تدهور السلامة المجتمعية والوصول إلى خدمات العدالة الشاملة. وقد يؤدي هذا التردي إلى إضعاف ثقة المواطنين في سيادة القانون، وتعزيز الاستياء تجاه مؤسسات الدولة، وإستمرار حالة عدم المساواة وعدم الاستقرار.
ولمواجهة هذه المخاطر، يدعم مشروع تعزيز الوصول الشامل إلى العدالة في اليمن، الممول بسخاء من حكومة هولندا، مؤسسات العدالة الرسمية وغير الرسمية من خلال تضييق فجوات العدالة وتعزيز الشعور بالعدالة والشرعية داخل المجتمع. وقد أدى دعم مشروع تعزيز الوصول الشامل إلى العدالة في اليمن إلى زيادة الوصول إلى العدالة لأكثر من نصف مليون يمني، وخفض عدد المعتقلين غير المحكوم عليهم بنسبة 11 في المائة، وتحسين ظروف السجون، وخاصة بالنسبة للمعتقلات.
تقول أحلام ياسين، مساعدة قانونية وواحدة من المشاركات في ورشة عمل بناء القدرات لمشروع تعزيز الوصول الشامل إلى العدالة في اليمن: "لقد نجحت في حل العديد من النزاعات المجتمعية والشخصية، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالنفقة، ,و فسخ الزواج، وزيارة الأطفال. كما ألعب دورًا في حل النزاعات المتعلقة بالأراضي والإسكان، وهي قضايا ناشئة حديثًا في مجتمعنا".
ويتطلب بناء السلام الفعال أيضًا تعزيز قدرات حل النزاعات على المستوى المحلي. ويشكل الاستفادة من خبرة منظمات المجتمع المدني أهمية بالغة في دفع هذا الجهد.
في إطار مشروع تعزيز الوصول الشامل إلى العدالة في اليمن، أنشأت السلطات المحلية ومنظمة آفاق شبابية، وهي منظمة مجتمع مدني محلية، ست لجان وساطة مجتمعية في مختلف مديريات عدن. تهدف هذه اللجان إلى تخفيف الضغط على مراكز الاحتجاز وتعزيز الحل السلمي للقضايا غير الجنائية داخل المجتمع.
ويقول أحد أعضاء لجان الوساطة المجتمعية الذي يعمل على قضايا الديون: "نعمل على حشد موارد المجتمع والعمل جنباً إلى جنب مع نظام العدالة الرسمي لتسوية النزاعات وتعزيز النسيج الاجتماعي في عدن".
وفي إطار دعم المبادرات المحلية، أطلق مرفق دعم السلام التابع للأمم المتحدة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا والنرويج، آلية المنح الصغيرة لدعم 12 مبادرة لمنظمات المجتمع المدني تعالج التحديات المحلية. وتركز إحدى هذه المبادرات، بقيادة مؤسسة SOS، على مكافحة المعلومات المضللة وزيادة الوعي بأهمية عمليات السلام الشاملة من خلال أنشطة بناء القدرات والدعوة. ويستهدف هذا العمل المنظمات المحلية وأعضاء اللجان المجتمعية وممثلي شبكات النساء والشباب، الذين غالبًا ما يتم استبعادهم من عمليات السلام.
"أشعر بمزيد من القوة لرفع مستوى الوعي حول دور المرأة في بناء السلام والتأثير بشكل إيجابي على مجتمعاتها"، قالت غادة، منسقة القمة النسوية السادسة في إحدى التدريبات التي نظمتها مؤسسة SOS، إحدى منظمات المجتمع المدني المشاركة في آلية المنح الصغيرة في عدن.
وتقول هند، وهي عضو شاب في لجان الوساطة المجتمعية ومشاركة في التدريب: "إن المهارات التي اكتسبناها من خلال هذه التدريبات ستساعدنا في حل النزاعات داخل مجتمعاتنا، والمساهمة في جهود بناء السلام، ودعم عملية اتخاذ القرار لدينا".
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، فإن الجهود الجارية في اليمن لتعزيز الحوكمة، ودعم السكان النازحين، وتعزيز بناء السلام المجتمعي، تقدم طريقاً واعداً للمضي قدماً. وسوف يكون الاستمرار في الاستثمار في هذه المجالات والتركيز على الشمولية أمراً ضرورياً لتمكين اليمن من التقدم نحو السلام والاستقرار الدائمين.